iSpeech.org
قال ابن عطاء الله : "من أكرمك إنما اكرم فيك جميل ستره، فالحمد لمن سترك، ليس الحمد لمن كرمك وشكرك".
أقول : الله ولي النعمة، وأهل الثناء أولا وآخرا، ظاهرا وباطنا، قد تكون ذكى العقل بادى المواهب يثنى عليك الناس
لما امتزت به من فكر ثاقب وعمل بارز، فمن الذى صاغ معدنك وأنت جنين على هذا النحو المرموق؟
إن المعدن الذى يصاغ منه الإنسان هو الذى يحدد رزقه وأجله، فإن كان معدنا هشا كان سريع الكسر،
وإن كان معدنا رديئا كان رخيص القيمة.
من الذى خلق العباقرة ممتازين من طفولتهم؟ هو الله، (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ).
فإذا رأيت الناس يعلون من قدرك، فالحمد لمن أنشأك جديرا بالرفعة.
وكم يخطئ المرء؟ وكم يقع منه ما لو عُرِف به لخدش مقداره وسقط شعاره؟
أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح .. فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح
لكن الله يصبر ويبقيك بين الناس كأن لم يبدر منك شىء ويظل لك ما تحب من كرامة ومنزلة، فلمن الحمد؟
لمن يثنى عليك بلسانه؟ أم لله الذى أنعم أولا وستر أخرا؟
وقال ابن عطاء الله: "الناس يمدحونك لما يظنونه فيك، فكن أنت ذاما لنفسك لما تعلمه منها".
أقول : هل أغش نفسى لأن الله سترنى فانطلقت ألسنة الناس تمدحنى؟ ما يفعل هذا عاقل.
يجب أن يكون موقفى من نفسى ثابتا، أفتش عن عيوبها لأنقيها منها وأستحضر باستمرار ما بها من أخطاء كى
أصوبها، وما فيها من نقائص كى أكملها.
فإذا قال الناس: هو كامل، فلا أنخدع بمقالتهم عن حقيقة ما أعرف من نفسى "فأجهل الناس من ترك يقين ما عنده
لظن ما عند الناس".
والعجب أن ناسا يكذبون ثم يصدقون هم أنفسهم ما اختلقوه على الناس، كما روى عن "أشعب" أن الأطفال تبعوه
يوما بزياطهم، فأراد أن يصرفهم عنه فزعم لهم أن عرسا بمكان كذا توزع فيه الحلوى!! فلما جروا إلى العرس
المزعوم تبعهم أشعب هو الآخر يجرى!!
لقد صدق الأكذوبة التى ألفها...
إن ذلك مثل من يسمع المدائح فيه فيصدقها، وهو يدرى من باطن أمره أنه غير ما قيل فيه.
كان الرجل من الصالحين إذا مدح قال: "اللهم اغفر لى ما لا يعلمون، ولا تؤاخذنى بما يقولون، واجعلنى فوق
ما يظنون ".. وهذا دعاء من ينصف نفسه ويخشى ربه.
الإمام محمد الغزالي/ نور السلام بريس